حذر الدكتور سعد سلوم الفائزة بجائزة ابن رشد للفكر الحر في برلين لعام 2022 من مخاطر نهاية التنوع في المنطقة، إذ اشار سلوم في خطابه بمناسبة الجائزة إن التغيير في العالم العربي “لا يعني مجرّدَ إعادة كتابة دساتير، أو إجراءِ انتخاباتٍ جديدةٍ أو اتِّباعِ زعيمٍ منقذ، بل هي تحولُ العقولِ والقيمِ وليس الآليات”. الآلياتُ أو الزعماءُ لا يَبنُون “ثقةً” بالنظام السياسي، لكنَّ “المؤسساتِ” هي ما يُحدِثُ هذا الأثر. لذا، نجد فرانكشتاين سرعانَ ما أعادَ تركيبَ جسدِهِ من قطعٍ جديدةٍ شكّلتْ صورةَ انسدادٍ إقليميٍّ شامل، وتعدى ذلك الى تدميرِ المدنيّات القديمةِ والثرية بتنوعها، فقد تُركَتْ سوريا أرضاً يباباً بعدَ حربٍ أهليةٍ دامية، وباتَ اليمنُ السعيدُ بائساً وحزيناً، وكشفَ انفجارُ مرفأ بيروت عن وجهِ نظامِ الإقطاعِ السياسيّ القبيح في لبنان، موضحا ب” إن قدر الاستمراريةِ المحبطة يبدو حاكماً للمنطقةِ بأسرِها في حتميةٍ كاتمةٍ للأنفاس.”
واشار سلوم الى إنه “من أجلِ الأملِ في التغييرِ خرجَ الشبابُ الإيزيديون، قبل أشهرٍ قليلة، في مظاهراتٍ بمواجهةِ الفصائل المسلحة في سنجار، فبعدَ مرورِ ثمانية أعوام على الإبادةِ الجماعيةِ وتحريرِ مناطقِهم من داعش ما تزالُ الإبادةُ الجماعيةُ حيةً ومستمرةً بالنسبةِ للمجتمعِ الإيزيدي”، أما المندائيونَ (أتباعُ يوحنا المعمدان) الذين يمثلون ثقافةً ألفيةً عابرةً للزمانِ والمكان، فقد غادر 90% منهم وطنَهم التاريخي، ويضا اشار الى إن “المسيحيونَ أصبحوا (بيتاً بمنازلَ كثيرةٍ)، وأضاف الى غمَ مرورِ أكثر من مئتيْ عامٍ على ولادةِ مؤسّسِ الدين البهائيّ، فإنه لا يوجدُ بلدٌ عربيٌّ يعترفُ بالدينِ البهائيّ (عدا اعترافٍ ذي طبيعةٍ رمزيةٍ في إقليم كردستان العراق). واضاف سلوم “وقد أثبتت الأحداثُ الأخيرةُ بعد اجتياحِ داعش لسوريا والعراق، وقبْلَها في البوسنة والهرسك عام 1995، وكوسوفو عام 1999، ورواندا عام 1994، ودارفور عام 2003، كيف أنَ تهديدَ الإبادةِ الجماعيةِ ما يزالُ قضيةً رئيسةً في السياسةِ العالمية.”
و دعا سلوم من أجل انقاذ التنوع في العالم العربي الى “سن تشريعاتٍ تجرّمُ العنصريةَ بكافة أشكالِها وعلى رأسِها العنصريةُ العرقيةُ وخطاباتُ الكراهيةِ بمنصاتِها ومنابِرها المختلفة”و” إعادةُ النظرِ في المناهج الدراسية للتأكد من خلوِّها من أيّ خطابات كراهيةٍ وإن كانت غيرَ مقصودة، مع رفدِها بما يعزز ثقافةَ التنوعِ والمساواة وتقبلِ الأخر والتي من دونِها لا يمكن إحرازُ تغيير حقيقي في مسارِ بناء دولة المواطنة.” واشار سلوم الى اهمية ” النضالُ من أجل توسيعِ دائرة الاعتراف بالأقليات الدينية غير المعترف بها” وأشار الى الحاجة الى ” ثورةٍ ضدَّ النهجِ الحصريّ لحريةِ المعتقد” موضحا إن “الفهمُ الواسعُ لحريةِ المعتقد خِيارًا قادرًا على إنصافِ التنوعِ الغني في بلدان المنطقة، والذي يُعَدُّ أفرادُهُ جميعًا أصحابَ حقوق متساوية.” كما دعا سلوم الى تغييرُ تقاليدِ الكتابةِ عن التنوعِ في العالم العربي إذ أشار في خطابه بمناسبة الجائزة ” لم يعُدْ هناك مكانٌ لتاريخٍ انتقائيٍ مُؤَدْلجٍ، لا سيما مع مخاطرِ نهايةِ التنوع في الشرق الأوسط. لذا، أدعو الباحثينَ العربَ إلى التخلِّي عن حذرِهم اللاعقلاني وإبرازِ أهميةِ التنوع وسبلِ إدارتِهِ الرشيدة. وبعد أن حاولتُ خلال ثمانية عشر مؤلَّفًا إثارةَ الاهتمامِ بالتنوع، كمَصدر غنًى وعامِلِ وَحْدةٍ وسطَ سياساتِ الانقسامِ السائدة، أتمنَّى أن أرى اهتمامًا مُماثلًا، يشملُ المنطقةَ بأسرِها” وكانت جائزة ابن رشد للفكر الحر لعام 2022 قد منحت للدكتور سعد سلوم، الخبير في شؤون التنوع في العراق والمدافع عن الحريات الدينية وسلمت في حفل حضرته شخصيات من اوربا والعالم العربي والعراق في متحف برلين. والجائزة التي تمنحها مؤسسة ابن رشد للفكر الحر في برلين منذ 1999 مكرسة “لمن قام بدور في دعم ونشر الفكر الديمقراطي الحر والديمقراطية والإبداع في البلاد العربية”. ويعد سلوم أول مثقف عراقي يفوز بالجائزة. بعد أن حاز عليها أبرز المفكرين العرب مثل محمد اركون،، محمد عابد الجابري، نصر حامد أبو زيد، سمير امين، محمود أمين العالِم وغيرهم