منذ طفولتي ، كنت اسمع ممن حولي من الأهل والمدرسة أن في الحوار حل لجميع مشاكل الحياة. كبرت عاما بعد آخر لأجد في بلدي العراق، الكثير من المشاكل وأصعبها عدم فهم الاخر والتي كانت كانّها شبح يطاردنا بين الشوارع والأزقة، مترافقة مع دمار الحروب الخارجية و القتل على أساس الدين والهوية.
في العراق، بلاد الرافدين أو ما بين النهرين، ميزوبوتيميا حيث يسكن منذ قرون أكثر من طائفة وديانة ومذهب، عشت أنا . وسط عادات وتقاليد وأعراف تسير بها المدينة، وما بين الكرخ والرصافة عراق آخر.
لماذا بين الكرخ والرصافة؟
مدينة بغداد، حسب التقسيم الجغرافي للعراق منذ عصور، هي عاصمة العلم والحب والسلام. وبين الكرخ والرصافة، وُلد ودُفن أصحاب شأن في الدين والعلم والسلام والشعر والفنون. والحب والتآخي بين من سكن الكرخ أو الرصافة، وشهدت مياه دجلة وجسوره التي تربط الضفتين على تلك القصص التي سقيت منه. وعاد الزمان نفسه ليعيد أهل المنطقتين تلك القصة، ويشهد عليها نهر دجلة من جديد.
عراق آخر…
نعم، إنه عراق الأديان والطوائف والمذاهب، والعلماء والفنانين والأدباء والشعراء. إنه عراق ما بين النهرين، ارتوى منه الكثير وقدم للعالم الكثير. فهو بلد السلام، بلد الحوار من أجل السلام. وفي الحوار نبقى ونرتقي. حين قدمت للمشاركة في مخيم الحوار الذي دعت له مؤسسة “مسارات”، فكرت وبحثت عن تاريخ العراق، فوجدت ما ذكرته سلفًا. ووصف كبير لكرم أهل العراق وتفردهم بمزايا عدة … لذلك قررت المشاركة للاطلاع على ثقافات العراق واهله عن قرب فكانت ايام شهدت فيها ما لا يُكتب بمقال أو كتاب، بل يحتاج لحياة مباشرة مع كل فرد في هذا الوطن.
التقيت بمجموعة من الشباب من مختلف الأديان والطوائف، وكانت اللهجة العراقية سيدة النقاش فيما بيننا، ولم نستخدم أي لغة ثانية للحوار؛ فالكل تجمعهم هوية الوطن كهوية رئيسية ثم تاتي هوياتنا الفرعية من دين وقومية ومذهب وعرق ولون .. كلنا عراقيون.
أربعة أيام في مخيم
تعرفنا على عراق مصغر جمعنا بين كبار علماء الدين في مدينة الكاظمية ومدينة الأعظمية، وبين الكنائس وكليات العلم. ولم يقتصر ذلك فقط، بل تجولنا بين ماضي العراق وحديثه في شوارع وأزقة بغداد القديمة والحديثة. تحدثنا عن عراق مصغر وكيف سيكون مستقبلاً، وما هو دورنا في نقل هذه الصورة الصغيرة والمحافظة عليها إلى عوائلنا وأصدقائنا وأحفادنا في المستقبل. انتهت المسيرة البغدادية في أحد البيوت البغدادية، وينتهي المطاف بنا كما يقال: “خبز وملح”.
العراق ليس ملكًا لي، وإنما ملك لجميع من يسكنه أو ينتمي له. دعونا نتحاور فيما بيننا ونعلم أطفالنا أن يتقبلوا الآخر، ويقدموا يد العون والمساعدة، فهو أخ لهم في هذا الوطن وليس عدوهم لمجرد الاختلاف في الدين أو المذهب أو العرق أو اللون. دعونا نعيش بحب وحوار وسلام.
